لا تتعجلوا فالقادم أفضل
خسارة فلسطين لها أسبابها المنطقية ولها حلولها الواقعية
النقد وسيلة مهمة ولا بُد من أن تجد صدراً واسعاً وآذاناً صاغية
غزة – خالد أبو زاهر (رامتان) 10/8/2008 – انتهى مولد بطولة غرب أسيا لكرة القدم، بالنسبة لفلسطين قبل موعده، فخرجت كالعادة من الدور الأول للبطولة، مثلما فعلت خلال مشاركتها فيها منذ انطلاقتها في العام 2000.
ولم يكن ذلك مستبعداً، لأكثر من سبب، حيث ظهرت بواد الخسارة منذ بداية تجميع المنتخب في فلسطين قبل الأردن، ولم يكن هناك مجال للانتقاد تحسباً من تحليل ذلك على أنه محاولة لإحباط المنتخب وجهازه ولاعبيه، ومن قبلهم اتحاد الكرة، فكان لا بُد من الانتظار إلى ما بعد انتهاء البطولة، سواء تحقق الفوز أو العكس من أجل التحدث بتجرد.
ولأنه وبعد كل خسارة أو خروج من الأدوار الأولى لأي بطولة، تبدأ عملية التقييم، فلا بُد وأن يكون ذلك التقييم مستنداً إلى أسس علمية ومنطقية قابلة للفهم والاستيعاب حتى نستخلص العِبَر، وصولاً إلى تحقيق التطور والتقدم.
وقبل البدء في عملية التقييم، لا بُد من التذكير بأن فلسطين، ليست البرازيل أو الأرجنتين، فهي لا زالت تبحث عن طريقة للعودة إلى سابق عهدها، وتحتاج لوقت ليس بالقصير من أجل تحقيق ذلك، لا سيما وأنها كانت ولا زالت تمر بظروف غير طبيعية.
ولا يختلف إثنان على أن السياسة الجديدة للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم برئاسة اللواء جبريل الرجوب، تُعتبر ناجعة ومثالية من حيث مهنية التعامل مع اللاعبين، على اعتبار أنهم الأساس في بناء المنتخب، وبالتالي يتوجب احترامهم وتقديرهم وتوفير كل متطلبات التمثيل المُشرف.
كما وأن الخسارة بالنسبة لفلسطين ليست نهاية المطاف، فلا زالت فلسطين في الصفوف المتأخرة بين دول القارة الصفراء والدول العربية، لأسباب تحتاج لوقفة خاصة لمراجعة.
ففي حال مقارنة المنتخب الفلسطيني والكرة الفلسطينية مع نظيراتها في المنطقة الآسيوية والعربية، نجد أن فارقاً كبيراً يفصل بينها وبينهم، من حيث الإمكانات، سواء المادية أو البنية التحتية، إلى جانب غياب بطولة الدوري لعدة سنوات، وعدم انتظام بقية البطولات الأخرى.
وفي حال مقارنة المنتخب الفلسطيني والكرة الفلسطينية مع نظيراتها فقط لعام مضى، نجد أن الكرة الفلسطينية تعرضت لضربة موجعة، تمثلت في توقف النشاط بشكل نهائي في غزة على مدار أكثر من عام، وهذا وحده يكفي لأن يخسر المنتخب في أي لقاء.
ولكن الخسارة بحد ذاتها لا بُد وأن تكون حافزاً لتحقيق الفوز، وهذا يتطلب الكثير، أولاً الصبر من قبل الجماهير والإعلام والمهتمين من جهة، ومن قبل الاتحاد من جهة أخرى، ثانياً العمل على توفير متطلبات الصمود والفوز، سواء مادياً أو لوجستساً وغير ذلك.
وقبل البدء في وضع الحلول، لا بُد من الإشارة إلى نقاط الخلل والضعف، من أجل أن تكون تلك الحلول ذات معنى ومغزي، لا من أجل أن نكتب ونفرض رأينا ورؤيتنا على الاتحاد والآخرين.
وهنا لا بُد من التأكيد على أن على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم برئاسة اللواء جبريل الرجوب أن يكون مستمعاً جيداً وأن يتقبل كل وجهة نظر حتى وإن كانت خاطئة، انطلاقاً من ضرورة تشابك الأيدي من أجل تحقيق التقدم والتطور، لأن يد الاتحاد وحدها لا تُصفق، ولأن رأي الاتحاد وحده لا يخدم كثيراً.
ولأن الاتحاد الجديد جاء قبل ثلاثة أشهر على موعد بطولة غرب أسيا، فإنه بكل تأكيد لا يتحمل مسؤولية الخسارة والخروج من البطولة، فهو بحاجة لوقت حتى يُرسي قواعد خطته ومفاهيمه.
ولكن لا بُد من الإشارة إلى أن عملية اختيار اللاعبين، لا سيما في محافظات الضفة، لم تكن إلا تأكيداً على المستوى الحقيقي للعبة في الضفة التي غابت عنها بطولة الدوري منذ عشر سنوات، عندما كان فريق الأمعري آخر فريق حصل على اللقب، وبالتالي من الطبيعي أن يجمع المُكلف باختيار اللاعبين (51) لاعباً من أجل اختيار مجموعة.
وفي عملية رياضية بحتة، لا علاقة لها بالتحليل الجغرافي او الفئوي، نجد أن اختيارات المُكلف لم تُسفر عن وجود أكثر من لاعبين إثنين من مجموع (13) لاعباً اختبارهم، وهو ما شهدته تشكيلة المنتخب في لقاءي إيران (تيسير عامر وفادي سالم) وقطر (رأفت ربيع)، وهو ما يؤكد على أن المستوى العام للاعبين لا يمنحهم مكانة في التشكيل الأساسي، فيما قد يجوز الإشارة إلى أن هناك لاعبين أفضل لم يتم اختيارهم، ربما لعدم قناعة المدرب أو عدم قدرتهم على إثبات ذاتهم في معسكر الفارعة.
وهنا يجب الإشارة إلى أن محافظات الضفة لم تغب عنها البطولات (الكأس والدرع وأريحا الشتوية) وغير ذلك من بطولات تنشيطية مختلفة على مدار عشر سنوات، في وقت غابت البطولات وحتى التدريبات واللقاءات التجريبية عن غزة لمدة زادت عن العام بشكل متواصل، ما يعني أن هناك خللاً في منظومة العمل في محافظات الضفة، يتوجب حله.
كما وأن ظاهرة تقاسم المنتخب، نصفه من غزة والآخر من الضفة، منطق أعوج لا يمكن القبول به، لأنه لا يخدم المصلحة العامة، فمن مجموع (13) لاعباً اختارهم الكابتن جمال دراغمة، قام الكابتن عزت حمزة باستبعاد ثمانية، فيما استبعد ثلاثة من غزة من نفس العدد (13)، في وقت كان هناك سبعة من لاعبي غزة في التشكيل الأساسي.
قد يُشكك البعض في نية كاتب السطور، ولكن الحقيقة مُرة ولا يمكن تجرعها لم يدور حوله الخلل، ولكن التعامل مع هذه الحقيقة، هو المخرج الوحيد لحل الأزمة، ولعل انطلاق بطولة الدوري في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، تكون بداية للتخلص من الخلل في المنظومة.
وفيما يتعلق بالمدير الفني، فلا يُنكر أحد المجهود الكبير الذي بذله الاتحاد للتعاقد مع مدرب، كما ولا يُنكر أحد الدور الكبير الذي لعبه الاتحاد الأردني في خدمة الكرة الفلسطينية، ممثلاً بسمو الأمير علي بن الحسين، والمهندس نضال الحديد.
ولكن وبكل تجرد وصراحة، فإن الكابتن عزت حمزة من المدربين المشهود لهم، وهو شخصية تستحق الاحترام والتقدير لمجرد قبوله بالمهمة الصعبة، ولكن ابتعاده عن التدريب لأكثر من إثني عشر عاماً، ربما أفقده جزء من مخزونه الوفير، وبالتالي كان لا بُد من اختيار مدرب يعمل بشكل فعلي في مجال التدريب، وله وإنجازاته، لا سيما وأننا نتحدث عن منتخب وطني وليس فريق نادٍ.
لا يوجد أي دولة في العالم مرت وتمر بالظروف الصعبة التي مررنا بها، فلا استقرار ولا رعاية ولا ملاعب ولا دعم ولا بطولات، وبالتالي، كيف يمكن أن نُطالب بانتصارات وأهداف وغير ذلك من قاموس كرة القدم العالمية، ونحن لا زلنا تحت خط الفقر الكروي.
والحلول المُمكن مناقشتها للخروج من النفق المُظلم، تتمثل في انتظام البطولات المحلية (دوري وكأس ودرع إلخ ...) من جهة، وتأهيل المدربين من جهة ثانية، كونهم بُناة المستقبل، والتأسيس لبناء منتخبات لجميع الفئات العمرية للانطلاق بقوة نحو بناء منتخب وطني قادر على التأهل إلى نهائيات كأس أسيا، وتحقيق ألقاب للبطولات الإقليمية، إلى جانب ضرورة أن يتحلى بعض الإعلاميون بالروح الوطنية في نقدهم، وعدم المساس باللاعبين وتجرحهم مثلما حدث عند الإعلان عن اختيار اللاعبين للمنتخب لا سيما من محافظات غزة، كما ويتطلب أن يتسع صدر الاتحاد ورئيسه لتقبل النقد، كون معظمه يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وإنجاح مسيرة الاتحاد والمنتخب.